الخميس، 27 أغسطس 2015

إنهاك







-1-

أقف أمام المرآة اتحضر للسفر للقاهرة، اضع زينتي بعناية، ارسم عيناي بالايلاينر في رسمة دقيقة، وبعد ما انهي مكياجي اتحضر لارتداء الحلي ولكن اشعر بالإنهاك الشديد، وان ذلك سيستغرق مني مجهود لن أقدر عليه، اغلق العلبة واضعها في الحقيبة واتوجه للباب.

-2-

أخرج من المنزل لأشم لأول مرة رائحة العشب المقصوص حديثاً التي طالما قرأت عنها، رائحة قوية نفرتني، ليس لأنها سيئة، بل لكون حواسي مرهفة مثل الجلد المحترق لا يحتمل نسمة الهواء الخفيفة.

-3-
لمى تلعب قبل ان نركب السيارة ومحمد لازال في المنزل، لا يوجد لدي الطاقة لإقناعها او اجبارها لتجلس في كرسيها، ومستنفذة لدرجة ان الوقوف يجعل قلبي يدق سريعاً، ولو فتحت الباب سيحتل الذباب السيارة، اجلس على العشب دون ان اهتم بثيابي.

-4-

منذ ركبت السيارة وأنا أؤجل لحظة إخراج اللاب توب لأكمل العمل، أقول لنفسي بعد ان نخرج من طريق المزرعة، بعد ما نخرج على الطريق الصحراوي، ثم افتح حقيبتي لأخذ كارت الشحن من المحفظة واشحن ال Usb فلا أجد الكارت ولا المحفظة من الأساس، اصرخ من اليأس، فالمحفظة تحتوي على مالي وبطاقتي التي سأقبض بها راتبي، وكارت الشحن الذي سيتيح لي العمل، فنضطر للعودة مرة أخرى وتضيع ساعة إضافية فقط لأخذ المحفظة التي لو كنت بدأت العمل مبكراً بعد خروجي لاكتشفت غيابها قبل ان نقطع جزء كبير من الطريق.
-5-

اجلس مكتئبة في طريق الرجوع للمنزل، اضع يدي على خدي تلقائياً، بعدها اشعر ان بعض الراحة تتسلل إلى خفية، وأتساءل لماذا كانوا ينهونا عن وضع أيدينا على خدودنا عند الحزن.
فهذا رد فعل طبيعي من الجسد الذي يريد ان يخفف من ألمه النفسي، ويشعر بلمسة ادمية حانية، ولا يوجد أقرب له منه.

-6-

وانا امشي إلى المنزل لأخذ المحفظة اشاهد الشمس وهي على وشك الغروب، قرص برتقالي عملاق بين النخيل، مشهد يستحق التصوير ولكن اخراج الهاتف لتصويره بدا لي مبتذلاً للغاية، ومنعت نفسي عن الاستجابة لرغبتي في المشي اتجاه القرص الذي يناديني حتى أستطيع ان المسه بأصابعي.

الأربعاء، 26 أغسطس 2015

نعم، انا ام فاشلة


أن أصبح أم قرار لم أفكر به طويلاً، كان قرار فجائي لم أعرف من اين اتى، لكن لم أكن في اسعد احوالي قدر أيام حملي على الرغم من متاعب الحمل الطبيعية والاضافية، وبعد مجيء لولو هانم للعالم استطعت ان اتعامل مع الشهور الصعبة الأولى بسلاسة اتعجب انا شخصياً لها، بالطبع اصبت بالاكتئاب والتقلبات المعتادة، ولكن استطعت ان امر بالأمر في النهاية دون ان أكره الامومة والزواج.

ولذلك اتعجب الان كثيراً من متاعبي الدائمة مع دور الام، لقد احتملت شهور البكاء المتواصل والحيرة في البحث عن أسبابه، وقلة النوم، والاعباء الكثيرة، ولكن الان أجد في كل عبء صغير ازعاج لا أستطيع ان اتحمله.

لم اعد أستطيع تحمل الزن والصراخ والبكاء المتواصل، والطلبات التي لا تنتهي ويكون الهدف منها فقط ان اترك ما افعله او التنكيد على بأي طريقة، ربما لأنها أصبحت أكبر وتستطيع ان تفهم كلامي لكنها ترفض ان تستمع إليه، او انا جننت ولم اعد احتمل أي أعباء إضافية، فاليوم قصير والطلبات والمهام لا تنتهي.

لا التمس لنفس اعذار بهذا الكلام، ولكن كل يوم قبل النوم اعد نفسي ان أكون اماً أفضل اليوم القادم، ان أصبح أكثر صبراً واطول بالاً، ان البي طلباتها وأوامرها التي لا تنتهي بصدر رحب، ألا أفقد اعصابي عندما تفعل ما أقول عليه "لا" مئة مرة لمشاهدة ردود افعالي.

لكن استيقظ من النوم على طلب، احضره واحاول ان انام بضعة دقائق إضافية لا تتعدى العشرة دقائق لتطلب شيء اخر غير منطقي، ثم اخر، ثم اخر، لأجد أن ساعة مرت منذ استيقاظها وبدأ الغضب يزيد في داخلي، ومهما حاولت كبته او الابتعاد عنها حتى أجد نفسي انفجر رغماً عني.

المسئولية كبيرة، او انا أصغر منها، فأن أكون ام ومعلمة وطبيبة 100% طوال الوقت بالإضافة لكل الأشياء الاخرى صعب للغاية، في نهاية اليوم أحاول ان اخفف عن نفسي وأقول لقد اديت كل واجباتي اتجاهها، لعبت معها وضحكنا واطعمتها وحممتها، ولكن ايضاً صرخت فيها، وطلبت منها ان تتركني، لم ألعب معها طوال الوقت، او حاولت ان اشغلها بمشاهدة التلفزيون حتى أستطيع ان اطبخ او أنظف، ثم أعد نفسي ان أصبح ام أفضل بالغد لتبدأ الدائرة من جديد.

ينتشر على الفيس بوك بوست يشجع الأمهات على ترك الاطباق التي تحتاج للغسل والأرض التي تحتاج للتنظيف والاهتمام أكثر بأبنائهم لأنهم سيكبرون سريعاً، لكن كاتب البوست من المؤكد إنه ليس امرأة، التي تعلم إنها لو تركت الاطباق لن تأتي معجزة من السماء تكافئها على كونها ام جيدة تلعب مع طفلتها وترسل لها غسالة اطباق او تجعل زوجها يغسلهم، او ان الأرض المتسخة لن يغطيها النمل بعد قليل الذي سيقرص اطفالها نفسهم ويتورمون.

ربما لا يجب ان اكتب هذا الكلام، فستكبر لولو في يوم من الأيام وتقرئه وتظن أن أمها كانت تكرهها، لكن في الحقيقة انا اكتب هذا لأني أحبها لدرجة اني اريد ان اصبح لها اماً مثالية كالتي تظهر في المسلسلات التلفزيونية تقبل اطفالها طوال اليوم وتلعب معهم بالأرجوحة ولا يوجد لديها ديدلاين يجب ان تسلم عملها قبله وإلا خرب بيتها، وعندما افشل في ان اصبح كما اريد لا املك سوى ان اجلد نفسي بسياط الذنب، واصبح اكثر عصبية وغضباً.

واكتب كذلك لأخبرها ان الامومة عمل صعب يستهلك من الروح والنفس أكثر من أي ماديات يتحدث عنها شخص ما، وعندما اسمعها في يوم من الأيام نصائح في كيفية تربية أبنائها تلقيه في وجهي وتذكرني كم كنت اماً فاشلة.

الثلاثاء، 25 أغسطس 2015

التنظيف الذي يمحو الاحزان



فعل التنظيف وإزالة الغبار وغسل الاطباق من الأشياء التي تقوم بها الكثير من السيدات مكرهة لأن يجب ان يقوم بها شخص ما ولا يوجد غيرها فتقوم بها، وانا من هؤلاء السيدات بالطبع، ومن يعتقد انني اعشق التنظيف مخطئ، انا فقط أكره الفوضى والتراب، فهي تضغط على روحي، وتمنعني من التركيز، وإن اردت الاحتفال بإنجاز ما لا أستطيع ان افعل سوى في مكان منظم ونظيف، وبما ان الاستعانة بشخص ما لينظف ليس متاحاً لي طوال الوقت فلا يوجد امامي حل سوى ان افعلها بنفسي.
ولكن هذا الفعل يأخذ ابعاداً أخرى حين أكون يتراكم غبار الحزن على روحي، ويصيبني بحالة من الشلل، فعلى سبيل المثال بعد وفاة حماي بيومين قمت بحملة تنظيف شاملة على شقتي في العبور على الرغم من كوني سأغادرها بعد اقل من أربعة وعشرون ساعة واعود إليها بعد أسبوع واجدها متربة مرة أخرى، ثم ذهبت بعد ذلك لمنزل اهل محمد ولم أستطع ان امنع نفسي من دخول المطبخ لغسل اكواب الشاي ثم ازيل اثار عدوان أطفال العائلة على المنزل.
واتذكر بعد حادثة السيارة وحين كنت في قمة حزني وقلقي وتعبي ورغم اصابتي في قدمي وركبتي وكدمات أخرى تحاملت على نفسي وقمت نظفت الشقة وغسلت السجاجيد وأنا ابكي طوال الوقت.
هناك من يغرقون احزانهم في الطعام او ينامون لأوقات طويلة، ولكني لا أستطيع ان أقوم بأي من الامرين عندما يصل حزني إلى منتهاه، التنظيف في هذه الحالة يعطي عقلي هدنة من التفكير، والتركيز في إزالة الغبار ينسيني ما اتألم من شأنه، أصبح آلة هدفها ان تقوم بمهمتها على أفضل وجه وعندما انتهي أكون منهكة أكثر مما يسمح بأي تفكير قد يؤرقني، اجلس هادئة في أحد الأركان واشعر اني فارغة من الداخل واحظى بلحظات سلام أخذ خلالها العديد من القرارات الهامة، وألملم شتاتي واستطيع بعدها ان أقوم وأكمل حياتي.
التنظيف في تلك الأوقات فعل ملهم ومريح للنفس، ويمكنني ان اعتبره طبيبي النفسي الحقيقي، فلا كلام مع أصدقاء، ولا محاولة تخفيف استطاع ان يؤدي مهمته.