الاثنين، 26 أكتوبر 2015

اليوم أنا لست ام سيئة





خبرت اليوم شعور جديد علي، خصيصاً في الشهور الماضية، التي عانيت فيها من الاكتئاب والإحباط والعجز، لقد كنت اليوم فخورة بنفسي.
فأنا أعد العدة لأرجع مرة أخرى للقاهرة بنية إدخال ابنتي الحضانة لمدة شهرين أو حتى يتم قبولها في المدرسة، قد تبدو خطة مجنونة قليلاً أن أفكر بهذا القدر من أجل المستقبل الدراسي لطفلة لديها ثلاث سنوات، ولكن على الأغلب الأمهات سيتفهمن عن ماذا أتكلم.
تحدثت مع الحضانة التي قضت لولو شهر بها قبل انتقالنا للنوبارية، واتفقت على التفاصيل لتبدأ الأحد القادم معهم، ثم خلال انهائي اعمالي المنزلية تذكرتها في الحضانة منذ ستة أشهر، قلقي وخوفي، واضطرابها والكثير من الذكريات، ثم عقدت مقارنة صغيرة بين لمى الان والأخرى تلك الأيام، ووجدت الكثير من التغيرات والإنجازات، التي لن يشاركني التفاخر بها أحد أخر، أو يكون له فضل فيها، فأنا وحدي وخلال هذه الأيام من صنعتها، وهو شعور ربما لن أشعره مرة أخرى بهذا الصفاء بعدما يتدخل في تربيتها وتشكيلها الحضانة والمدرسة والمدرسون وزملائها.
خلال هذه الشهور الستة تخلصت لمى من الببرونة أو محبوبتها الأثيرة "الننة" التي ظننت إنها لن تتخلى عنها حتى تصبح عروس بالفستان الأبيض من فرط تعلقها بها، أخذت القرار وتحديت والدها الذي رأي إني امرأة قاسية تحرم ابنته من شيء تحبه، وألقيت الببرونات في سلة القمامة، وخلال يومين تعودت على الشرب من الكوب وانتهينا من أسطورة الننة، وانتقل هذا اللقب للكوب ذو المصاصة، قبل أن يصبح لديها كوب جديد مزين برسوم شخصية "ويني" ويكون لدينا رمز جديد في طفولة لولو وهو "الكوباية ويني الزرقا" كما تسميها.
الإنجاز الثاني هو تخلينا عن الحفاضات، وهو البعبع الذي يخيفون به الأمهات منذ الولادة، ويصورون عملية التدريب على الحمام كما لو إنها معركة حربية يجب أن يعدوا نفسهم لها بالأسلحة النووية، لقد كانت معركتي هي الأقصر الحمد لله، يرجع هذا لكبر سنها فلم استعجلها، وذكائها، وحظي الحسن.
الإنجاز الثالث مجموعة صغيرة من الألوان والحروف والأرقام، تعلمتهم على يدي، لم أحقق ما أريد في هذه النقطة، وتعبت كثيرا حتى حفظتها، واتبعت عدة وسائل من أغاني وكتب وبازل، لكن على الأقل استوعبت مفهوم الحروف والأرقام.
أنا فعليا لست الأم السيئة التي ظننت نفسي عليها، والتي أضع صورتها أمامي طوال الوقت، وأكتب هذه التدوينه لعلها تفلح في طرد شبحها عندما يعودني بعد عدة أيام.
قد أكون عصبية، قلقة وخائفة، ومشغولة أغلب الوقت، ولكني أحاول قد إمكاني أن أعطي ابنتي أقصى ما أستطيع، أن أجعل كل يوم من أيامها به على الأقل ذكرى لضحكة ولعبة لعبناها سوياً واحكي لها قصتها المفضلة -هي "اريال الحورية الصغيرة" هذه الأيام- والتي حفظتها من فرط التكرار ولكن لن أملها فقد ورثت هذا الشغف بالحكايات مني.
اليوم أنا لست أم سيئة، وهذا يكفيني، أجأرني الله من هواجس الغد.

الأحد، 25 أكتوبر 2015

منزل الهدوء الصاخب





شهران لم أكتب هنا، مزيج من الملل وقلة الوقت والاكتئاب والانشغال، قمت خلال هذين الشهرين بألاف الأشياء، نظمت حفل وذهبت لرحلتين، تركت عمل والتحقت بأخر، وسرت بالسيارة أميال أكثر مما أستطيع أن أعدها، لأعود مرة أخرى لمنزلي الجديد في النوبارية وأستقر بها أسبوعين قبل أن اتركها لشهرين لظروف دراسة لولو.
روزمانتي دوماً مشغولة هذه الأيام، واستقطع بصعوبة بعض الوقت لي، لكن استمتع بالهدوء هنا بعيداً عن الالتزامات الاجتماعية.
اليوم كان طويلاً ولازال ممتداً بالفعل فأمامي عمل يجب أن أودية قبل أن أستطيع التوجه للنوم بضمير مرتاح، ابنتي وزوجي نائمان واجلس وحيدة في الصالة الواسعة للدار التي تقترب مساحتها من مساحة شقتي الأصلية بالقاهرة، قمت بتشغيل الأغاني لأول مرة منذ شهور اثناء عملي، لتبدد بعض من وحشتي في المكان الذي على الرغم من سكني إياه منذ شهور لازالت اخافه بالليل عندما ينام الجميع.
المكان هادئ للغاية ولكن صاخب بالأصوات الخافتة كذلك، اسمع دقات في مكان ما أهرع إليها ولا أعرف السبب، قبل الأمس كانت الطيور صاخبة طوال الليل كما لو إنها تقيم مظاهرة على شرفتي، والأمس المطر بدأ قبيل الفجر وأمتد لساعات وتسبب في قطع الكهرباء حتى ظهيرة اليوم، انقطاع الكهرباء حرمني من أصوات مؤنسة اعتدتها مثل صوت مكيف الهواء، والثلاجة فلم أستطع النوم طويلاً، واستيقظت من فرط الهدوء.
وبعدها بدأت أصوات جديدة، قطرات صغيرة من الماء لم أستطع ان أحدد مكانها وكادت أن تصيبني بالجنون حتى عرفت أن سقف منزلي يسرب قطرات المطر على السطح.
كل يوم قبل النوم أحاول أن اتجاهل تلك الأصوات التي تحولني لجبانة رغم شجاعتي المعهودة، اتخيل إنها خطوات فأر صغير أو أحد الهوام قد دخلت منزلي بطريقة ما من الحدائق المحيطة بنا، أو شخص ما لا اعرفه في هذه المكان الذي لم أميز وجه سكانه بعد، ثم أسب جبني وأغطي رأسي وأحاول النوم.
أما عن الغرفة المغلقة الفارغة فلا أحاول أن أفكر بها في المساء، وأتناسها هي وباب المنزل الواسع والهش.
 رباه إني أعيش في بيت رعب، ولم أتخيل إني بهذا الجبن.



الخميس، 27 أغسطس 2015

إنهاك







-1-

أقف أمام المرآة اتحضر للسفر للقاهرة، اضع زينتي بعناية، ارسم عيناي بالايلاينر في رسمة دقيقة، وبعد ما انهي مكياجي اتحضر لارتداء الحلي ولكن اشعر بالإنهاك الشديد، وان ذلك سيستغرق مني مجهود لن أقدر عليه، اغلق العلبة واضعها في الحقيبة واتوجه للباب.

-2-

أخرج من المنزل لأشم لأول مرة رائحة العشب المقصوص حديثاً التي طالما قرأت عنها، رائحة قوية نفرتني، ليس لأنها سيئة، بل لكون حواسي مرهفة مثل الجلد المحترق لا يحتمل نسمة الهواء الخفيفة.

-3-
لمى تلعب قبل ان نركب السيارة ومحمد لازال في المنزل، لا يوجد لدي الطاقة لإقناعها او اجبارها لتجلس في كرسيها، ومستنفذة لدرجة ان الوقوف يجعل قلبي يدق سريعاً، ولو فتحت الباب سيحتل الذباب السيارة، اجلس على العشب دون ان اهتم بثيابي.

-4-

منذ ركبت السيارة وأنا أؤجل لحظة إخراج اللاب توب لأكمل العمل، أقول لنفسي بعد ان نخرج من طريق المزرعة، بعد ما نخرج على الطريق الصحراوي، ثم افتح حقيبتي لأخذ كارت الشحن من المحفظة واشحن ال Usb فلا أجد الكارت ولا المحفظة من الأساس، اصرخ من اليأس، فالمحفظة تحتوي على مالي وبطاقتي التي سأقبض بها راتبي، وكارت الشحن الذي سيتيح لي العمل، فنضطر للعودة مرة أخرى وتضيع ساعة إضافية فقط لأخذ المحفظة التي لو كنت بدأت العمل مبكراً بعد خروجي لاكتشفت غيابها قبل ان نقطع جزء كبير من الطريق.
-5-

اجلس مكتئبة في طريق الرجوع للمنزل، اضع يدي على خدي تلقائياً، بعدها اشعر ان بعض الراحة تتسلل إلى خفية، وأتساءل لماذا كانوا ينهونا عن وضع أيدينا على خدودنا عند الحزن.
فهذا رد فعل طبيعي من الجسد الذي يريد ان يخفف من ألمه النفسي، ويشعر بلمسة ادمية حانية، ولا يوجد أقرب له منه.

-6-

وانا امشي إلى المنزل لأخذ المحفظة اشاهد الشمس وهي على وشك الغروب، قرص برتقالي عملاق بين النخيل، مشهد يستحق التصوير ولكن اخراج الهاتف لتصويره بدا لي مبتذلاً للغاية، ومنعت نفسي عن الاستجابة لرغبتي في المشي اتجاه القرص الذي يناديني حتى أستطيع ان المسه بأصابعي.