الاثنين، 1 أغسطس 2016

رسائل إلى لولو: الرسالة الأولى





تستغربين لماذا أكتب إليك رسائل وأنت أمامي الآن تلهين وتلعبين؟ أكتبها يا صغيرتي لأن ما سأقوله لن يستوعبه ذهنك الغض البريء في الوقت الحالي، لكن قد تحتاجينه في المستقبل، ولا أضمن وقتها إني سأقوله، ربما سأنساه، أو سأمثل إني نسيته، ربما عندها سأتكبر عن التفسير والتبرير، ربما أظن وقتها ايضاً إنك غير معدة بعد لسماع هذا الحديث.
لذا سأكتب إليك الآن، والكلام لازال طازجاً في ذهني، فالكتابة كما أتمنى أن تعرفين في يوم من الأيام هو الفعل الأسهل بالنسبة لي من بين كل طرق التعبير الأخرى، والأقل ابتذالاً من وجهة نظري.
ماذا سأقول لكِ في رسالتي الأولى والتي لا أتمنى أن تكون الأخيرة؟
اليوم سأخبرك لماذا قررت أن تكوني وحيدة، اتخذت القرار منذ مدة، قلبي وعقلي موافقان عليه، ولكن رأيت أن من حقك أن تعرفين لماذا اتخذته، سواء تفهمتِ مبرراتي وعذرتني أو غضبت ونقمت عليا.
والدك يوافق على عدم إنجاب طفل أخر سواء أخ أو أخت لكِ، ولكن له مبرراته المختلفة، التي تتراوح بين شعوره بالاكتفاء بك، وأن حبه بأكمله موجه لكِ بالكامل، وبين رغبته في إعطائك الأفضل مادياً لديه، وبالطبع عند تقسيم إمكانياتنا المادية على إثنين لن يعطيكِ نفس المستوى الذي نحاول توفيره لكِ الآن، أسباب كثيرة ومعادلات قد تكون صعبة الفهم بالنسبة لكِ.
وعلى الرغم من اقتناعي بالأسباب السابقة لكن تلك ليست أسبابي الخاصة، سأحكي لكِ قصة صغيرة لتفهميني أكثر.
منذ قليل شاهدت على الفيس بوك صورة لطفل رضيع مع تعليق أن يوم ولادة ابنك أو ابنتك هو الأفضل في حياتك.
رغماً عني عدت ليوم مولدك، كان سعيداً بالطبع، لكن عندما أتذكره ليست البهجة هي ما تطرأ على بالي من أول لحظة، بل الخوف والقلق على حياتك قبل الولادة، حيث تعرضتِ يا صغيرتي لوعكة صحية اضطررنا بسببها إلى جلبك إلى العالم مبكراً قليلاً وكانت تلك الساعات من الأصعب في حياتي.
وأتذكر كذلك عندما ذهب الزائرون وأبيكِ إلى المنزل وتركوني وحدي مع جدتك التي نامت على الأريكة وخفضت الإضاءة لعلي أنام من الإرهاق أنا كذلك، تلك الليلة لم يغمض لي جفن، ظللت متيقظة طوال الليل، أراقب أنفاسك، اضع يدي على فمك وأنفك بين الدقيقة والأخرى، أقوم بحركات اكروباتية حتى اضع يدي على قلبك وأشعر بدقاته.
كنت جميلة للغاية وعذبة، نعمة كبيرة خفت أن تزول من بيني يدي، ومن يومها وأنا أعاني من ذات الخوف، حتى بعد مرور ما يقارب الأربعة أعوام من عمرك لازالت استيقظ ليلاً أتحسس صدرك وأطمئن على انتظام أنفاسك.
عندما تنامين لوقت طويل في السيارة يساورني القلق وأحاول الاطمئنان عليك دون أن ينتبه والدك حتى لا يسخر من قلقي الدائم.
مرت أربعة سنوات قلقت وارتعبت خلالها أكثر من عمري السابق بأكمله، كل مرة كنت تصابين فيها بارتفاع بدرجة الحرارة أو التهاب اللوزتين أو سقطت أو خرجت إلى الشارع مع والدك، كانت تطرأ في ذهني أسوأ المخاوف وأبشعها، ولي عذري، فالعالم يا صغيرة قاسي للغاية، ومفاجئ لا يستطيع أحد أن يتنبأ بما سيحدث بعد دقائق، وأنت غالية، غالية للغاية.
يقولون الأمومة مش سهلة بس مستاهلة، هي بالفعل مش سهلة، لكن هل هي مستاهلة؟؟
أنت كما قلت نعمة كبيرة، بهجة ونور في حياتي، والسبب الوحيدي الذي يجعلني مبقية عليها في أيام سوداء كثيرة، ولكن في ذات الوقت حبك موجع للغاية.
السبب يا صغيرة الذي يجعلني لا أستطيع أن أنجب طفل أخر أن في قلبي لم يعد متسع للمزيد من الوجع، يكفيني أنت ووالدك، تتسببان في جنوني وقلقي طوال الليل والنهار.
هناك أسباب أخرى مثل عملي ورغبتي في وقت أكثر لي، وأعباء الأمومة، لكن السبب الحقيقي والذي متيقنة منه هو إني لا أريد أن أحب شخص جديد مثلما أحبك، ليس فقط لا أريد، فأنا لا أستطيع أن أتحمل المزيد من الألم الذي أشعر به حالياً.

هناك تعليقان (2):

  1. وجعتى قلبى والله يا لولو .

    ردحذف
  2. سلامة قلبك يا دينا، متضايقيش نفسك بس مفيش حلاوة من غير نار زي ما بيقولوا
    الحمد لله على كل حال

    ردحذف